نهاية السنة… كيف يودعها المثقفون؟
يحتفل الناس برأس السنة الميلادية، مودعين عامًا انقضى، ومستقبلين عامًا جديدًا يعلقون عليه آمالهم وأسئلتهم، وبينما تبدو الاحتفالات في ظاهرها طقوس فرح وضجيج، فإن نهاية السنة، في وعي المثقفين والكتاب، لحظة أكثر تعقيدًا وعمقًا، لحظة حساب وتأمل ومساءلة للذات، لا تقل أهمية عن بدايات الأعوام نفسها، ففي دفاتر اليوميات والرسائل الخاصة، تتجلى نهاية السنة بوصفها اختبارًا للمعنى، لا مجرد انتقال زمني.
في يومياته المؤرخة في 31 ديسمبر 1852، كتب السياسي والمفكر الأمريكي شارل فرانسيس آدامز وهو يودع عامًا قاسيًا بنبرة لافتة من الامتنان، رغم ما مر به من خسائر شخصية. لم يتعامل آدامز مع نهاية السنة بوصفها احتفالًا صاخبًا، بل كوقفة داخلية دقيقة لتسمية المشاعر كما هي، امتنان لما بقي، وحزن على ما فُقد.
بعد ثمانين عامًا تقريبًا، تأتي نهاية السنة في يوميات الكاتبة البريطانية فرجينيا وولف بصورة مختلفة، لكنها لا تقل عمقًا، ففي يوميات 31 ديسمبر 1932، تختزل وولف وداع العام في جملة بسيطة تكاد تصلح شعارًا للحياة اليومية: التمسك باللحظة.
لا تخطط وولف لعام جديد، ولا تضع قائمة أمنيات، بل تنحاز إلى وعي شديد الحضور بالزمن، كأنها تقول للوقت: "ابقَ".
أما مع الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث، فتأخذ نهاية السنة طابعًا حسيًا واضحًا، ففي مذكراتها خلال ليلة رأس السنة أثناء رحلة إلى مدينة نيس، لا نجد خطابًا أخلاقيًا أو حسابًا مباشرًا للعام، بل مشاهد من البحر، واللون، والضوء، والدهشة الأولى.
وداع العام هنا ليس جردًا للأحداث، بل تحوّلًا في الإحساس: كأن الجسد والعين يتوليان مهمة الوداع بدل العقل، اللون الأزرق للبحر، وانعكاس الضوء، وصورة الشمس، تتحول كلها إلى وسائط لتصفية الحساب مع الزمن، دون الحاجة إلى لغة مباشرة.
وتربط بلاث، في موضع آخر من اليوميات نفسها، بين "عام جديد" و"مشهد جديد"، مستخدمة لغة تصويرية كثيفة تجعل البداية والنهاية فعل رؤية قبل أن تكون فعل قرار، بعض اليوميات، كما تكشف تجربة بلاث، لا "تشرح" نهاية العام ولا تفسرها، بل ترسمها، وتترك للقارئ أن يستنتج معناها من الصورة لا من العبارة.
















