حين يصبح التراث مسرحا للرسائل السياسية..... السياسة ترتدى عباءة الثقافة

ماذا يفعل رئيس فرنسا في أزقة الحسين وخان الخليلي ؟ هل هي مجرد جولة سياحية أم رسالة سياسية مكتوبة بلغة التراث ؟ ما الرسائل الخفية وراء تجول ماكرون في قلب القاهرة الإسلامية ؟ وهل الصورة التي جمعت بينه وبين السيسي وسط البازارات الشعبية كانت عفوية أم محسوبة بدقة ؟ لماذا اختار ماكرون أن يسير في شوارع خان الخليلي بدلا من قاعات القصور ؟ وهل أراد أن يقول شيئا أبعد من مجرد دعم العلاقات الثنائية ؟ زيارة دبلوماسية أم استعراض سياسي ؟ هل يحاول ماكرون كسب ود الشارع العربي بعد سنوات من التوتر ؟ أم أنها محاولة مصرية لتقديم صورة آمنة ومضيافة للعالم ؟ .... تساؤلات عديدة في مشهد غير معتاد، حيث شهدت شوارع الحسين وخان الخليلي، أحد أبرز معالم القاهرة الإسلامية، زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصحبة الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تجولا وسط أجواء شعبية عفوية بدت وكأنها مرسومة بعناية لتوجيه رسائل سياسية وثقافية متعددة، تفاعلت الناس مع هذا المشهد بشكل واسع، في ناس شافته خطوة إيجابية بتروج للسياحة والثقافة المصرية، وناس تانية شافته استعراض سياسي لكن ممكن نضيف بعض التحليلات الخاصة بالزيارة فإن زيارة ماكرون للحسين فى هذا التوقيت لم تكن مجرد جولة سياحية، بل جزء من دبلوماسية رمزية ناعمة تسعى إلى إرسال رسائل في كل الاتجاهات، الرسائل السياسية... زيارة ماكرون في التوقيت ده ممكن تكون محاولة فرنسية لتأكيد دورها في المنطقة، خصوصا وسط تصاعد نفوذ قوى تانية مثل الصين وروسيا، و بما ان مصر شريك محوري في الشرق الأوسط وأفريقيا ، ففرنسا بتحاول تحافظ على علاقتها بيها. التعاون الاقتصادي .... فرنسا عندها استثمارات كبيرة في مصر، في مجالات مثل النقل ، والطاقة، والتعليم، فهذه الزيارات غالبا بيتم فيها توقيع اتفاقيات جديدة أو تعزيز شراكات قائمة . البعد الديني والثقافي .... نزول ماكرون للحسين مع السيسي في منطقة دينية عريقة ممكن يكون كنوع من التهدئة بعد فترات توتر سابقة بين فرنسا والعالم الإسلامي .هذه الزيارة فيها رسائل احترام للثقافة والدين الإسلامي. ترويج للسياحة .... ظهور رئيسين في خان الخليلي والحسين بيبعث رسالة طمأنة للعالم إن مصر بلد آمن للسياح، و هذا مهم جدا في ظل محاولات إنعاش قطاع السياحة بعد أزمات اقتصادية عالمية . البعد الشعبي والإعلامي .... الصور والفيديوهات التى خرجت من هذه الجولة انتشرت على السوشيال ميديا، وهذا ساعد في نشر صورة "شعبية" للحدث، وكأنها رسالة للناس إن القادة قريبين من الشارع ومن التراث الشعبي.
الزيارة التي حملت في ظاهرها طابعا إنسانيا وسياحيا، لم تخل من رسائل استراتيجية واضحة. ففي وقت يشهد فيه الإقليم توترات متزايدة، وحالة من السيولة في العلاقات الدولية، اختارت القاهرة وماكرون أن يظهرا تقاربا لا يقتصر على مكاتب القصور الرئاسية، بل يمتد إلى شوارع المدينة القديمة، في دلالة رمزية على عمق العلاقة بين البلدين. إعلاميا .... لعبت الصورة دور البطولة، حيث تصدرت لقطات الجولة عناوين الصحف وواجهات القنوات ، بينما اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، حيث ظهر الرئيسان يتبادلان الحديث وسط التحف والتوابل والمآذن القديمة، في مشهد أقرب إلى لوحة من زمن ألف ليلة وليلة.
وسائل الإعلام المصرية احتفت بالزيارة باعتبارها تأكيدا على أمن مصر وجاذبيتها السياحية، بينما ركزت الصحف الفرنسية على أبعاد الزيارة السياسية، خصوصا ملفات الأمن، والهجرة، والتعاون الاقتصادي، إلى جانب الوضع في غزة وليبيا.
ولكن، وراء الصورة... تساؤلات ؟؟؟؟
في مقابل الترحاب، تساءل البعض: هل نحن أمام دبلوماسية شعبية حقيقية؟ أم مجرد استعراض ناعم لتجميل مشهد سياسي مركب؟
بعض الأصوات المعارضة رأت أن هذه الجولة تهدف إلى التخفيف من الانتقادات الأوروبية المتكررة بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وأن ماكرون يحاول تقديم توازن دقيق بين المصالح الاقتصادية الفرنسية والضغوط الحقوقية الداخلية.زيارة تحمل أبعادا تتجاوز الوقت والمكان، فماكرون ليس أول رئيس فرنسي يزور مصر، لكن أسلوب زيارته هذه المرة يختلف. ففي زيارات سابقة عام 2019 مثلا ، اقتصر ظهوره على المباحثات الرسمية، واللقاءات الدبلوماسية. أما اليوم، فالرئيس الفرنسي يختار أن يخطو وسط الشعب، في محاولة لإعادة تشكيل الصورة الذهنية لدور بلاده في المنطقة.
لم تكن زيارة ماكرون إلى الحسين وخان الخليلي مجرد نزهة سياحية أو لحظة بروتوكولية عابرة، بل مشهدا محسوبا بعناية يحمل بين طياته مزيجا من الرمزية السياسية والثقافية.فحين ترتدي السياسة عباءة الثقافة، وتستخدم معالم التراث في توصيل الرسائل، تصبح الصورة أداة دبلوماسية بليغة تتجاوز الكلمات.ووسط مشهد إقليمي مضطرب، تظل مثل هذه الزيارات تفتح أبوابا للتأمل: هل نحن أمام سياسة جديدة تعتمد على الرموز؟ أم مجرد محاولة لتجميل الواقع؟