دبلوماسية الفرص النادرة.. زعماء العالم يتقاربون في جنازة البابا فرنسيس

شهدت مدينة الفاتيكان، وجود زعماء العالم في ساحة القديس بطرس لتقديم احترامهم للبابا فرنسيس في مشهده الأخير، بينما استغلوا أيضًا فرصة نادرة للدبلوماسية العفوية، في ظل حرب تجارية متعددة الأطراف، وصراع مشتعل بين روسيا وأوكرانيا
وطغى حضور هذا العدد الكبير من زعماء العالم في مكان واحد على يوم البابا فرنسيس، حيث أصبحت ساحة القديس بطرس "مركزًا للدبلوماسية عالية المخاطر"، حسب تعبير النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو".
وبينما كان الكاردينال جيوفاني باتيستا ري يقرأ عظة للبابا الراحل يسلط فيها الضوء على جهوده الإنسانية وتواضعه قبل نقل جثمانه إلى الدفن، كان الصحفيون المستندون على أعمدة ساحة القديس بطرس يركزون أنظارهم على حركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويتابعون كل لقاءاته مع الحلفاء والخصوم، بينما يطغى على أصوات الحديث أصوات مروحيات الشرطة الإيطالية التي تحلق في السماء ، بحسب القاهرة الاخبارية .
عندما أعلن ترامب في وقت سابق أنه سيحضر جنازة البابا، بدت موجة اتصالات خلف الكواليس من الزعماء الذين سبقوه في إعلان الحضور، على أمل الحصول على وقت وجهًا لوجه مع الرئيس الأمريكي في قلب فترة من الاضطرابات الجيوسياسية غير العادية.
التقرب من ترامب
تشير "بوليتيكو" إلى أن حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة في أوروبا، يتطلعون إلى لقاء ترامب والتقرب منه بعد أن فرض رسومًا جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية في أوائل أبريل، مانحًا شركاءه التجاريين مهلة 90 يومًا للتفاوض على صفقات، وحافزًا على استغلال كل دقيقة قرب الرئيس.
أيضًا، يأتي هذا التدافع الدبلوماسي في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى اقتراب أوكرانيا وروسيا من اتفاق بشأن وقف إطلاق نار محتمل، بعد أشهر من المشاورات الحادة التي توسطت فيها إدارة ترامب.
في النهاية، رصد الصحفيون في وقت مبكر من اليوم ترامب يتحدث بهدوء مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. لاحقًا، صرّح الزعيم الأوكراني بأنه كان "اجتماعًا جيدًا"، وذلك في أعقاب "محادثات مثمرة"، حسبما ذكر، بينما قبلها بيوم واحد، الجمعة، كان مبعوث ترامب يلتقي خصم زيلينسكي في موسكو، لبحث اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا.
ووصف زيلينسكي الاجتماع، الذي عقد قبل مراسم الجنازة الرسمية، بأنه "قد يكون تاريخيًا"، وقال إنه مهد الطريق لـ "سلام موثوق ودائم في أوكرانيا"، كما نشر مكتبه صورة للزعيمين وهما يجلسان مقابل بعضهما البعض في صحن كاتدرائية القديس بطرس، منحنيين إلى الأمام وعيناهما متشابكتان في مناقشة مكثفة.
الفرصة التي تم اغتنامها
أيضًا، شوهد ترامب وهو يصافح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بعد أن همّشتها إدارته؛ لأن الأخيرة "يتعارض أسلوبها التكنوقراطي المتسلط مع شخصية ترامب الوقحة"، حسب تعبير الصحيفة، في ظل سعي الاتحاد الأوروبي للتفاوض على خفض الرسوم الجمركية، كما أنها غابت بشكل ملحوظ عن البيت الأبيض خلال الأشهر الثلاثة الأولى من ولاية ترامب.
وكانت هناك تكهنات لوسائل الإعلام الإيطالية قبل الجنازة، بأن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، المتعاطفة أيديولوجيًا مع الرئيس الأمريكي، والتي زارت البيت الأبيض مؤخرًا، ستحاول تسهيل لقاء بين قادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وصرّح متحدث باسم المفوضية بأنه سيتم "اغتنام" أي فرصة للقاء الزعيمين.
بالفعل، عُقد هذا الاجتماع قبل الموعد المتوقع بكثير مع وفاة فرنسيس، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان قد أسفر عن أي نتائج، حيث لم يُظهر مقطع فيديو قصير سوى مصافحة ودردشة قصيرة.
وألمحت رئيسة المفوضية الأوروبية عبر منصة "إكس" إلى أنها أجرت "حوارًا جيدًا" مع ترامب، وقالت المتحدثة باسم فون دير لاين في منشور منفصل إنهما "اتفقا على اللقاء".
كما بدا ترامب وكأنه يتحدث بشكل غير رسمي مع زعيمي إستونيا وفنلندا، اللذين كانا يجلسان بجانبه على المقاعد المخصصة لرؤساء الدول.
أيضًا، التقت ميلوني برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
ولم يكن من المستغرب وجود أي أثر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قد يُعرّض نفسه للاعتقال في إيطاليا بموجب مذكرة توقيف صادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بينما كان بين الحاضرين جوليان أسانج، الأسترالي الذي يقف وراء فضيحة «ويكيليكس» الشهيرة، والذي أُطلق سراحه من السجن بموجب صفقة إقرار بالذنب العام الماضي.
من أجل البابا
وراء هذا الزخم الدبلوماسي، كان هناك أيضًا كثيرون ممن سافروا إلى روما، في كثير من الأحيان من بعيد، لتوديع البابا بهدوء، الذي شعروا بقرب غير عادي منه بفضل أسلوبه غير التقليدي والشخصي للغاية وأجندته الإصلاحية التي سعت إلى الترحيب بالذين تم تهميشهم عادة من قبل الكنيسة الكاثوليكية المنعزلة.
وجاء آخرون من أماكن أبعد، مما يعكس التحول في مركز ثقل الكنيسة الكاثوليكية خارج أوروبا نحو إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهو التغيير الذي ساعدت بابوية البابا فرنسيس الأرجنتيني نفسه في توجيهه وتعزيزه.
كان أسلوب فرنسيس واضحًا في طريقة دفنه، فبينما اتسمت مراسم الجنازة ببعض الفخامة المزخرفة المعتادة في التقاليد القديمة، مع حاملي نعش يرتدون ثيابًا سوداء، وأثواب كهنوتية مطرزة بالذهب، وحشد من الكرادلة ذوي العباءات الحمراء، تمحورت الجنازة حول نعش خشبي بسيط، مبتعدةً بذلك عن مراسم الدفن البابوية السابقة التي كانت تتميز بتوابيت متداخلة مصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط.
بعد القداس الجنائزي، تم نقل النعش بواسطة سيارة البابا إلى قلب روما، حيث دفن فرنسيس في سانتا ماريا ماجوري، واحدة من الكنائس البابوية الأربع الكبرى والمفضلة لدى فرنسيس لتفانيها لمريم، والدة يسوع، وقربها من حي إسكويلينو المحروم.
في الواقع، كان اليوم يومًا للتنافس على السلطة الدنيوية والروحية، حيث اجتمع كرادلة العالم معًا قبل أسابيع فقط من بدء الاجتماع المغلق، وهو التجمع القديم شديد السرية الذي سيحدد البابا القادم -والذي بدأ بالفعل في الكشف عن الاختلافات العنيفة بين فصائل الكنيسة- لكن زعماء العالم يستعدون لاجتماعات أخرى، في الغالب ستكون مغلقة أيضًا.