الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : نيفين القباج… حكاية وطن تُكتب بأحرف من نور وذهب

عندما نتحدث عن التاريخ والجغرافيا، عن الإبداع وفن الإدارة، فنحن لا نقف أمام تواريخ الميلاد والوفاة فقط، بل أمام أثر خالد، وإنجاز باقٍ، وتجربة إنسانية لا تندثر.
وعندما نذكر الجغرافيا، فالأمر لا يقتصر على تضاريس أو حدود، بل يتسع ليشمل المساحات التي طوّعها الإنسان لتصبح منارات للعدالة والكرامة الإنسانية.
أما حين يكون الحديث عن الإبداع وفن الإدارة، فإننا بصدد الحديث عن واحدة من الأساطير الحية،عن سيدة اختزلت في شخصها قوة الدولة، ودفء الأم، وحكمة القائد ،ولا نبالغ حين نقول إننا نتحدث عن الأسطورة والعملاقة والإهرامات، عن الوزيرة التي حفرت اسمها في ذاكرة الوطن بحروف من نور وذهب ، الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة، التي استحقت عن جدارة أن توضع في قمة الرموز المصرية والعربية، لم تكن مجرد مسؤولة حكومية، بل حكاية وطنية وإنسانية تُروى على مر الأجيال.
من قلب الوطن، خرجت تلك السيدة الاستثنائية تحمل على عاتقها مهمة صعبة، أن تردّ الكرامة للمهمشين، وتعيد الأمل إلى قلوب أرهقها الفقر، وتمنح الصوت لمن لا صوت لهم.
لم تكن مجرد وزيرة تؤدي واجبًا روتينيًا في وزارة خدمية، بل كانت ، ولا تزال صاحبة مشروع وطني متكامل، ورؤية إنسانية عميقة، وإدارة تعرف الطريق إلى الفقراء والبسطاء، وتفهم لغتهم دون ترجمان.
هذه السيدة الاستثنائية، التي أجمع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على أنها لا تُعوّض بكل المقاييس، كانت في نظرهم رمزا لا يقل أهمية عن رموز خالدة في وجدان المصريين مثل الأهرامات، السادات قائد الحرب والسلام، أم كلثوم قيثارة الشرق ، الدكتور طه حسين عميد الادب العربى ، نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل، أحمد زويل، ومحمد عبد الوهاب، ولم يكن ذلك مجرد مديح تقليدي، بل شهادة نابعة من تجربة واقعية، ومتابعة دقيقة لأداء هذه السيدة التي لم تكن تكتفي بإدارة الملفات من خلف المكاتب، بل كانت حاضرة في الميدان، تنزل إلى الناس، تستمع إليهم، وتخاطبهم بلغة القلب والعقل معًا.
كانت" القباج " صوتًا للعدالة الاجتماعية، وذراعًا حنونة للدولة تجاه البسطاء، وضميرًا نابضًا لا يعرف المساومة حين يتعلق الأمر بكرامة الإنسان المصري.
وقد شهدت بنفسي، بصفتي نائب رئيس شعبة المحررين البرلمانيين والمستشار الإعلامي للشؤون البرلمانية للوزيرة، كيف كانت جلسات البرلمان تعجّ بالإشادة والتقدير لها، وكيف كان النواب يتسابقون في التعبير عن امتنانهم لجهودها وتقديرهم لأسلوبها الفريد في الإدارة والتواصل.
ففي عهدها، لم تكن وزارة التضامن مجرد وزارة، بل تحوّلت إلى مؤسسة أمل، امتدت يدها إلى أعماق القرى والنجوع، عبر برامج رائدة مثل "تكافل وكرامة"، ودورها المحوري في مبادرة "حياة كريمة"، حيث وضعت سياسات عملية لدعم الفئات الأولى بالرعاية، والأسر الفقيرة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأطفال بلا مأوى، والمسنين، ذوي الهمم،أوالمتعافين من الإدمان. وملايين من المصريين الذين كانوا يشعرون بأن لا أحد يسمع صوتهم، بل كانت ترى في كل فرد من هؤلاء قيمة لا تقدر بثمن، وكانت تصر على إعادة دمجهم في المجتمع كعناصر فاعلة ومؤثرة، وليس كحالات إنسانية فقط.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون، هو أن هذه الإنجازات لم تكن وليدة صدفة، بل نتاج مدرسة متكاملة من القيم والانضباط والإخلاص، كانت تقودها القباج بنفسها، وتحفّ بها كوكبة من الكفاءات الوطنية النادرة.
وقال النواب في حسرة وألم ، وهم يستعيدون سنوات التعاون معها، لقد ذهبت الوزيرة، وذهب معها رجال دولة من طراز فريد ،لم يكونوا مجرد موظفين أو مساعدين، بل عقول وطنية نادرة، امتلكت قدرات فذة على حل أعقد الملفات الاجتماعية والإنسانية، وعرفوا طريق النجاح من دون أن يعرفوا كلمة "مستحيل".
كانت منظومة متكاملة تعمل خلف القباج كـخلية نحل نشطة، ودينامو لا يهدأ، يدور على مدار ٢٤ ساعة بلا كلل أو ملل، يستقبلون الشكاوى، يتلقّون الاستغاثات، ويعملون بمنهجية علمية وإنسانية لحلها في غضون ساعات قليلة.
لم تكن وزارة التضامن الاجتماعي مجرد مبنى حكومي في عهدها، بل كانت أشبه بمؤسسة وطنية لحماية الكرامة الإنسانية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والدفع بحياة الناس نحو الأمل.
ونذكر من بين هؤلاء العملاقة الذين تركوا بصمة حقيقية في العمل العام، والذين كانوا سندًا قويًا للوزيرة في إنجاز ملفاتها الوطنية، اللواء الدكتور محمد درويش، المستشار السياسي لها وصديق النواب المقرّب، الذي كان دائم الحضور والتواصل والربط بين الوزارة والبرلمان، وكذلك المستشار محمد نصير، المستشار القانوني لها، والأمين العام المساعد السابق لمجلس النواب، الذي كان عنوانًا للدقة والانضباط والحسم في كل ما أُسند إليه من ملفات.
هؤلاء لم يكونوا مجرد معاونين، بل شركاء في بناء تجربة ناجحة ستظل نموذجًا يُحتذى به في فن الإدارة السياسية والاجتماعية.
ولعل أصدق ما يُقال عن الدكتورة نيفين القباج ، هو ما أكدة لى عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، فى أحدى المناسبات الذين لم يُخفوا حزنهم العميق على تركها ساحة العمل التنفيذي، فقالوها بمرارة وصدق،لقد خسرنا كثيرًا، خسرنا جسرًا من الرحمة والإنسانية كان يصلنا بالفقراء والبسطاء، خسرنا صوتًا صادقًا داخل الحكومة ينقل وجع الشارع دون تزييف، ويمد يده للضعفاء دون منٍّ أو أذى".
هي ليست مجرد وزيرة مرت على كرسي السلطة، بل هي قصة كفاح وطنية، ورمز نسائي عربي كتب اسمه في سجلات التاريخ بأحرف من نور وذهب، سيدة تُذكر جنبًا إلى جنب مع عمالقة الأمة، وأهراماتها التي لا تهرم، وستظل سيرتها مصدر إلهام لكل من يؤمن بأن العمل العام أمانة، وأن خدمة الناس شرف لا يُضاهى.
كانت الوزيرة القباج ضميرًا حيًّا في جسد العمل الحكومي، وستظل واحدة من الأساطير الإدارية التي لا تتكرر، وامرأة بحجم وطن، وزيرة لم تكن تعمل من أجل المجد، بل من أجل الإنسانية.