الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب لا تظلموا الملاك... وأعيدوا الحق لأصحابه

تعقيبًا على المقال الذي كتبته منذ سويعات قليلة بعنوان: “العوضي يفجر مفاجأة حول قانون الإيجارات القديمة، وتوجيهات رئاسية تعيد الطمأنينة للملايين ،والسؤال كيف يعوّض المالك بعد 60 عامًا من الظلم؟!”
في خطوة تلقاها كثيرون بارتياح وترقب، خرج الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحات صريحة وواضحة، أكّد فيها أن الحكومة لا تنحاز لطرف ضد آخر في ملف الإيجار القديم، مشيرًا إلى أن هناك توجيهات رئاسية واضحة بمراعاة البعد الاجتماعي، وأن الفترة الانتقالية للوحدات السكنية ستكون أطول من الوحدات التجارية، كما أن بداية الإيجارات الجديدة ستحدد بحسب الأحياء والمناطق.
تصريحات تبعث الطمأنينة... لكنها في الوقت ذاته تُعيد فتح الجراح القديمة، من يعوّض المالك الذي ظُلم لستة عقود؟! من يعيد له كرامته وملكه؟!
لقد أصبح من المألوف أن نسمع عن إيجار شقة في الزمالك أو مصر الجديدة لا يتجاوز 10 جنيهات شهريًا، في حين أن كشك سجائر إيجاره قد يصل إلى 50 ألف جنيه شهريًا فى المناطق الراقية و30 الف جنية شهرياً فى المناطق الشعبية ، بل إن علبة السجائر نفسها باتت تُباع بـ84 و95 جنيهًا، وحتى الشعبي منها بـ39 جنيهًا... بعد أن ارتفعت أسعارها بنسبة 68%، بينما يظل المالك قابضًا على "الملاليم" لا تكفي حتى لشراء علبة واحدة! فهل يُعقل أن يظل المالك أسيرًا لعقد كتبه جده عام 1960، بينما تتغير الأسعار، وترتفع الضرائب،وتزيد المرتبات وتتضاعف أعباء الحياة؟!
المالك متهم.. والمستأجر سيد!
أصبح من المعتاد أن نجد المستأجر يطلب كل شيء، ولا يدفع إلا الفتات، بعضهم يساوم على مبالغ ضخمة مقابل إخلاء الشقة، وآخرون يزورون الشقق كل أسبوع حتى لا تُقال إنها مغلقة، كي يضمنوا استمرار الوضع إلى الأبد، وفي المقابل، يتلقى المالك الإهانات، وكأن مطالبته بحقه "جريمة"، يُنظر إليه باعتباره طامعًا في ما لا يستحق، رغم أن القانون والدستور والشرع يقرّون بملكيته.
فأين العدل إذن؟أين المساواة؟ وأين دور الدولة في إنصافه بعد سنوات من القهر الصامت؟! لا نطلب أكثر من العدالة، الملاك لم يقطعوا الطرق، ولم يتظاهروا، ولم يحاصروا البرلمان، راهنوا فقط على ضمير الدولة وعدالة القيادة.
واليوم، ومع تصريحات رئيس الوزراء التي جاءت بناءً على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، آن الأوان لقراءة هذا الملف قراءة قانونية واجتماعية عادلة، الأمر لا يتعلق فقط بمستأجر وفقير، ومالك غني، الصورة أكثر تعقيدًا من هذا التصنيف الشعبوي السطحي.
الأزهر قال كلمته
دعونا لا ننسى أن الأزهر الشريف، هذا المنبر الذي نحترمه ونجلّه، قالها صراحة، إن القانون الحالي الخاص بالإيجارات القديمة باطل شرعًا، ومخالف لأصول العدالة، ويتضمن أكلًا لأموال الناس بالباطل.
إذن، فإن المطالبة بإعادة الحق إلى أصحابه ليست فقط مطلبًا قانونيًا، بل فريضة شرعية، يجب أن تُنفّذ بمنتهى الحكمة والإنصاف، الملاك لايريدون ترضية بل تصحيحًا تاريخيًا،الملاك ليسوا ضد الفترات الانتقالية، وليسوا مع الطرد العشوائي، ولكنهم ضد استمرار مسلسل "اللا عدالة" إلى أجل غير مسمى، منذ متى كانت العدالة تعني حماية طرف واحد على حساب الآخر؟!
آن الأوان أن يصدر تشريع واضح وحاسم من البرلمان يُعيد التوازن إلى العلاقة، ويضمن حقوق الطرفين، دون مماطلة أو تأجيل، رسالة الملاك إلى دولة رئيس الوزراء
معالي الدكتور مصطفى مدبولي .. تحية تقدير واحترام،،،
لقد لمسنا في تصريحاتكم الأخيرة روح التوازن والعدالة، ونثق أن الدولة التي أنهت العشوائيات، وأطلقت أكبر مشروعات الإسكان في تاريخها، قادرة أيضًا على إنهاء تشوه قانوني عمره أكثر من 60 سنة.
الملاك لا يريدون إلا ما يُرضي الله، ولا يطلبون أكثر من أن تُرد إليهم حقوقهم التي حُرموا منها دهورًا،لا تظلموا الملاك مرتين مرة بصمتهم الطويل، ومرة بتأجيل إنصافهم! ما ذنب الملاك؟! وهل أصبحوا هم الدولة التى تتكفل برعاياها ؟!
وهل تحوَّل المالك فجأة إلى جهة رعاية اجتماعية ؟ أم أنه - مثل أي مواطن - له حقوق دستورية لا يجوز انتهاكها أو التحايل عليها تحت ستار "العدل الاجتماعي"؟!
الدستور المصري، في مادته 78، لا يحتمل التأويل، تلتزم الدولة بوضع خطة قومية للإسكان تراعي فيها العدالة الاجتماعية، وتشرف على تنفيذها، ويكون توفير المسكن الملائم حقًا لكل مواطن، إذًا من المكلَّف بتوفير السكن؟ الدولة، وليس المالك، ومن المطالب بوضع حلول لمن لا يقدر على دفع القيمة السوقية للسكن؟ الحكومة،أم الملك المقهور، لكن ما نراه على أرض الواقع يقول شيئًا آخر، المالك الذي اشترى شقة أو ورث عقارًا أو بنى بعرق السنين، أصبح مطالبًا بتحمل فاتورة فشل الدولة في إنشاء سكن مناسب لمحدودي الدخل! بل أجبر على تأجير ملكه بأقل من سعر علبة السجائر بقوانين ظالمة ، ويُحرَم من أبسط حقوقه في التصرف في ممتلكاته.
والسؤال الاخر أين الحكومة من المادة 35 من الدستور؟! التى تشير الى "الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز نزعها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدمًا."
لكن في حالة قوانين الإيجار القديمة، الملكية نُزعت معنويًا وماديًا، ولم يحصل المالك لا على منفعة ولا تعويض، بل فقط على جملة واحدة تُقال له كلما اشتكى: "دي قوانين قديمة وماينفعش نزعزع استقرار الناس!" عذر أقبح من الذنب، العدالة الحقيقية لا تعني أن يأخذ طرف ويُجبر الطرف الآخر على الحصول على ملاليم
العدالة الاجتماعية لا تعني أن يتحول المالك إلى ضحية دائمة، وأن يصبح العقار لعشرات السنين بلا عائد حقيقي، بينما المستأجر يُورّثه وكأنه أصبح ملكًا له!
هل هذا ما قصده الدستور بالعدالة؟!
أخيراً الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
ا