أنا نفسي في لحمة يا ابني”.. صرخة عجوز تهز قلب محافظ القاهرة

لم تكن تلك الكلمات عادية.. ولم تكن تلك العجوز ساعية للشهرة أو تشكو من رفاهية ضائعة - كانت تقف هناك.. بملامح الزمن محفورة على وجهها، وبعيون أنهكها الانتظار، ترتعش يداها، وصوتها بالكاد يُسمع، لكنها قالتها بصدق يُمزق القلب:
"أنا نفسي في لحمة يا ابني."
جملة واحدة.. فقط خمس كلمات، كانت كفيلة بإيقاف الزمن، وإسكات ضجيج الميكروفونات وعدسات الكاميرات، ولفت أنظار الجميع إلى قلب الحقيقة.. إلى وجع الجوع.
كانت سيدة مسنة تقترب من التسعين من عمرها، من أبناء حي الجمالية، وقد اختارت أن تقطع خجلها وكبرياءها وتتقدم صوب اللواء إبراهيم صابر، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية، أثناء جولته لافتتاح "سوق اليوم الواحد"، لتقولها كما تقول الأمهات في لحظة انكسار.
"أنا نفسي في لحمة يا ابني."
كلماتها لم تكن طلبًا، بل كانت استغاثة. كانت كفيلة بأن تنغرس كسكين في ضمير أي مسؤول، وأن تضع آلاف علامات الاستفهام أمام هذا الغلاء المجنون الذي حرم كبار السن من مجرد تذوق قطعة لحم.
وفي مشهد مؤثر، لم يتجاهل المحافظ الموقف، بل اقترب منها، وربت على كتفها، ووعدها على الفور بتوفير اللحوم الطازجة لها. وجه بتلبية طلبها في الحال، ليؤكد أن الدولة لا تزال تسمع أنين من يستحقون، وتُقدر صرخة جوع نابعة من أم مصرية طحنتها الأيام.
هذه ليست مجرد قصة.. إنها حكاية وطن يعيش فيه الملايين بين سندان الغلاء ومطرقة العوز، وطن لا تزال فيه أمهات يتمنين فقط وجبة لحمة.. لا أكثر، ولا أقل.
وسط ضجيج افتتاح الدكتور شريف فاروق وزير التموين، والدكتور إبراهيم صابر نائب المحافظ، "سوق اليوم الواحد" بحي الجمالية، كمبادرة لتوفير السلع بأسعار مناسبة،ووسط تزاحم الكاميرات ووسائل الاعلام كانت المفارقة أن السوق لم يكن هو الحدث.. بل كانت السيدة، هي من سرقت الأضواء، وهي من أعادت صياغة الهدف الحقيقي لأي مسؤول يتجول بين الناس.. أن يرى، وأن يسمع، وأن يشعر.
فهل وصلت الرسالة؟
هل ستهز دموع هذه السيدة ضمائر التجار الذين يضاعفون الأسعار؟ ، هل تتحرك الحكومة بسرعة لوقف هذا الجنون الذي يجعل قطعة لحم حلمًا؟ ،هل نحلم بوطن لا تحتاج فيه أم عجوز أن تقول "نفسي في لحمة"؟ .
اللهم اجعل في قلوبنا رحمة، وفي أفعالنا استجابة، وفي أمتنا إنصافًا للفقراء والضعفاء.