أحمد محمد فكري زلط يكتب صوت يُغير أم صدي يتردد ؟!

تُعد الانتخابات ركيزة أساسية في الأنظمة السياسية الحديثة، فهي اللحظة التي يُعير فيها المواطنون عن آرائهم ويشاركون في اختيار من يمثلهم. لكن طبيعة هذه العملية يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة، فتارة تكون مهرجاناً وطنياً للاحتفال بالمشاركة، وتارة أخرى ساحة حقيقية للتنافس بين البرامج والأفكار. وهنا يُطرح السؤال ( هل الاستحقاقات البرلمانية احتفال بالمشاركة أم منافسة على الأفكار والبرامج ؟ ) ولفهم هذين البُعدين للعملية الانتخابية، لنبدأ بالصورة النموذجية: الانتخابات كـ “منافسة بنّاءة”. في هذا السيناريو، تتحول الساحة السياسية إلى ميدان إيجابي تتنافس فيه الأحزاب والمرشحون عبر تقديم رؤى وخطط طموحة لمستقبل الوطن. وتتسم هذه المنافسة بمجموعة من السمات الأساسية كالاتي: طرح برامج واضحة حيث يركّز المرشحون على تقديم حلول عملية للقضايا التي تهم المجتمع، مثل تحسين الاقتصاد، وتطوير التعليم، والرعاية الصحية.
نقاش عام وحيوي: تصبح الساحة العامة مكاناً للنقاشات الثرية، حيث يتم تحليل الأفكار ومقارنة البرامج، مما يساعد الناخبين على تكوين رؤية واضحة للتصويت. وهنا يشعر الناخب بأن صوته له قيمة حقيقية، وأنه يشارك بفعالية في رسم ملامح المستقبل من خلال اختيار البرنامج الذي يقتنع به. وهذا النوع من الإنتخابات يُساهم في نضج الحياة السياسية ويعزز من قوة المؤسسات المنتخبة، لأنها تكون نتاجاً لاختيار شعبي قائم على الوعي والمعرفة.
وفي بعض الأحيان، تأخذ الانتخابات طابعاً احتفالياً وطنياً حيث يكون التركيز الأكبر على تعزيز المشاركة الشعبية وإظهار الوحدة الوطنية والتماسك. ويمكن وصف هذا النموذج بأنه “احتفالية ديمقراطية”، ويتميز بالتركيز على المشاركة حيث يصبّح الهدف الأساسي هو تشجيع المواطنين على الخروج والإدلاء بأصواتهم كواجب وطني، مما يحول يوم العملية الانتخابية إلى مناسبة اجتماعية.وتسود الأجواء الإيجابية الإحتفالية، وتنتشر اللافتات والأغاني الوطنية، مما يخلق شعوراً بالانتماء والمشاركة الجماعية في حدث وطني مهم. ويُنظر إلى هذه العملية كوسيلة لتجديد الشرعية وتأكيد استمرارية واستقرار المؤسسات القائمة. وهذا النموذج من الانتخابات يلعب دوراً في تعزيز الروح الوطنية وتأكيد أهمية الممارسة الديمقراطية كقيمة مجتمعية، حتى لو كانت المنافسة بين البرامج والأحزاب أقل حدة. وهنا يكمن التحدي فنادراً ما نجد في الواقع نموذجاً نقياً تماماً. فالانتخابات الناجحة هي التي تستطيع أن توازن بين النموذجين ، أن تكون منافسة جادة بين برامج ورؤى مختلفة، وفي الوقت نفسه احتفالية وطنية تُعزّز المشاركة وتؤكد على الإنتماء. وختاماً .. إن الغاية النهائية هي الإرتقاء بالعملية الديمقراطية من مجرد احتفالية إلى ممارسة حقيقية وذات معاني جيدة وهذا التحول يحدث عندما تصبح الخيارات مبنية على الوعي والمسؤولية، فكلما تعمقت ثقافة الحوار والنقاش حول البرامج المطروحة، أصبحت الإنتخابات تلقائياً محركاً للتغيير الإيجابي والبنّاء و الذي يكون في مصلحة الجميع، وطناً ومواطنين.