الكاتب الصحفى محمود الشاذلى يكتب : الواقع السياسى والبرلمانى إنطلاقا من إنتخابات الشيوخ فى محاوله للفهم .

إنتهى الماراثون الإنتخابى لمجلس الشيوخ والذى عايشنا فيه متناقضات عجيبه ، وأجواءا مؤلمه ، تلك الأجواء أحدثت شرخا فى النفس خشية أن ينطلق الماراثون الإنتخابى لمجلس النواب بتلك الٱليه ، التى جعلت من نجح بعضوية مجلس الشيوخ بالقائمه من المنتمين لأحزاب فقدت جميعا الهويه يتغزلون فى عظمة الديمقراطيه ، والمشاركه الشعبيه وبصوره فجه جعلت الجميع يضربون كفا بكف وهم يضحكون من هذا الهزل ، حتى المنتمين لأحزابهم وانا فى القلب منهم ، ولو كان هناك ناصح أمين لصدر نصيحه مؤداها أن تنطلق الإنتخابات من فضيلة المشاركه ، وليس خطيئة المغالبه ، وإدراك أن المواطن الذى رصد عزوفا عن الإنتخابات ، وأدرك حشود التصوير أمام اللجان ، لايمكن أن نعمق بداخله المشاركه ، أو حتى القناعه بشفافية العمليه الإنتخابيه ، يضاف إلى ذلك أن غالبية من قدمتهم الأحزاب المتحالفه شخصيات محترمه ، وعلى مستوى المسئوليه السياسيه والمجتمعيه إلا القليل منهم عديمى خبره ، وهذا طبيعى فالكمال لله وحده ، وأنهم ينجحون بحق دون أى دعم إنطلاقا من شخوصهم الكريمه ، ولو تم هذا لأسس لحياه سياسيه تقوم على التنافسية ، وتنطلق بالوطن إلى ٱفاق التنميه والبناء بجد ، بل وتشجع من عزفوا عنها من القامات بأن يعودوا للمشاركه ، ويجعل المواطن البسيط أداه فاعله فى بناء المنظومه السياسيه بالوطن ، وهذا لاشك أمر طيب يعود بالنفع على كل الوطن ، لكن ماحدث عمق الإرتياب من الإقدام فى المشاركه السياسيه ، أو الأمل فى برلمان قادم يولد من فيه من رحم الشعب ، وليس عبر الأنابيب المعلبه التى تذكرنا بالموروث البغيض أن السياسه نجاسه .
تلك الأجواء جعلتنا نسترجع الماضى القريب ونقلب صفحاته إنطلاقا من اليقين بإدراك حجية ماقال به الوزير المخضرم كمال الشاذلى من أن السياسه لم تعد نجاسه وفقط ، بل أصبحت في الآونه الأخيره رجس من عمل الشيطان لذا بات من الطبيعى أن يتجنبها أصحاب النفوس الطيبه ، الذين تربوا على القيم ، والمبادئ ، والأخلاقيات ، وينشدون المحبه بين الناس ، الأمر الذى يصبح معه من الطبيعى أن يكون أسعد الناس من يبتعد عنها ، ولايشارك فيها ، بل ولايقترب من ممارسيها حفاظا على نفسه ، حتى لايناله مكيده من أحد ، الأمر الذى معه أصبحت مدينا حقا بالإعتذار للوزير كمال الشاذلى رحمه الله ، لأننى إختلفت معه بشده وبقوه خاصة تحت قبة البرلمان إعتراضا على ماقال به من أن السياسه نجاسه ، الآن أعترف أنه كان على صواب وكنت أنا على خطأ ، لأننى بعد كل هذه السنين في العمل السياسى والتي تعدت العام الأربعين ، إكتشفت أنها ليست نجاسه وفقط بل باتت من الموبقات ، ومن المحرمات ، بل ورجس من عمل الشيطان كما سبق وأن قلت يتعين إجتنابه ، لذا بات من الأهميه الإبتعاد عنها وتجنبها .
يبقى للتاريخ يتعين التوضيح أنها كانت كذلك في الماضى لكننا لم ندرك ذلك نظرا للدور العظيم الذى أداه الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق رحمه الله في محاوله لكبح جماح هذا التردى الذى إنفرط الآن ، وبات على رؤوس الأشهاد ، بل إنه يحسب له أنه تمسك بترسيخ الإحترام بين السياسيين ، وأعضاء الأحزاب ، ورفض كافة أساليب الإنحطاط .
قولا واحدا ووحيدا .. السياسه باتت فى تقديرى أشبه بلعب القمار ، ففى غمضة عين نجد من كان فوق أصبح تحت ، ومن كانت تلاحقه الكاميرات يتحاشاه الإعلاميين ، ومن كان تليفونه لايتوقف من الرن إبتغاء مصلحه ، أو طلبا لدعم ، أو مسانده ، أوعون يقسم من كان يطارده عبر الهاتف بأغلظ الأيمان أنه لم يقصده يوما فى مصلحه ، بل وصل الحال أن يهرب من لقياه بعض من كانوا يتمنون رؤيته ، ويبحثون عن معرفه به تعمق معه الصله ، بل إنهم يتباهون أنهم لم يلتقونه فى حياتهم .
لاشك أن هذا المشهد الدراماتيكى الواقعى كشف عن تدنى الواقع السياسى فى دول العالم الثالث ، وطبعا فى القلب منهم مصرنا الحبيبه ، وزيف الساسه جميعا بلا إستثناء وإن كان بهم قامات سياسيه ، ونماذج هى فخر لكنهم باتوا من النوادر بعد أن أصبحنا فى زمن الهزل ، والذى فيه لم يستطع الساسه عبر أجيال متعاقبه إحداث تغيير حقيقى لهذا الواقع المرير ، بل على العكس من ذلك تماما إجتهدوا بممارساتهم الخاطئه على ترسيخه ، وبات كل سياسى من الطبيعى أن يكون له علاقة برمز سياسى يقدمه للمجتمع ، ويتبناه ، ويدفع به لصدارة المشهد ، ومع ذلك كل منهم يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم ولدوا سياسيين ، بل رضعوا السياسه من ثدى أمهاتهم ، لذا كان من الطبيعى أن يتنصل كل سياسى من صانعيه .
كل ذلك يرسخ فى الوجدان أن ممارس السياسه أصبح كلاعب القمار فى لحظه يجد نفسه يحقق كل المكاسب ، وفوق كل البشر ، وفى لحظه يخسر كل شيىء ويصبح تحت في أسفل المحيط ، وهذا طبيعى بعد أن إقترنت الممارسة السياسيه بالهزل ، وهنا يكون مكمن الخطر . يبقى اليقين بوجود تداعيات سيئه للسياسه كيف ؟ وماهى ؟ .. تابعونى .
الكاتب الصحفى محمود الشاذلى نائب رئيس تحرير جريدة الجمهوريه عضو مجلس النواب السابق .