بوابة الدولة
الأحد 24 أغسطس 2025 01:35 صـ 28 صفر 1447 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

الدكتور محمود فوزي يكتب: الأنا الذاتية وانتهاك العقد النفسي

الدكتور محمود فوزي
الدكتور محمود فوزي

يتحلى العامل بالانغماس الوظيفي عندما تكون مهنته جزءًا من تعريفه الذاتي لنفسه مع الآخرين؛ كنتاج مباشر لالتزامه، وأداء مهام عمله بتفان وجدية وإخلاص؛ لتحقيق الأهداف والغايات التنظيمية؛ لذا فإن العامل المنغمس وظيفيًا في مهام عمله أقل عرضة للتغيير؛ لأنه يبذل قصاري جهده نحو تطوير ذاته، ودعم زملائه.

كما يعد الانغماس أو المشاركة الوظيفية تعبيرًا عن الدرجة التي ينظر فيها العامل إلى أدائه الوظيفي؛ باعتباره مركزًا لكيانه الذاتي أو احترام الذات؛ حيث تتحول الأنا الذاتية إلى شريك رئيسي لا ينفصل عن الحياة العملية للموظف.

وينبغي أن تحرص القيادة العملية بالمنظمات على زيادة الانغماس الوظيفي للعاملين، وتحفيز مبادراتهم؛ من خلال سياسات الدعم والتشجيع، واستثمار رأس المال البشري، وإمدادهم بالموارد المطلوبة في إطار العلاقات الاجتماعية التي تعززها الثقافة التنظيمية للمؤسسة، فضلًا عن حثهم علي المشاركة في أنشطة التعلم غير الرسمية؛ كدافع ملهم لتطوير مهاراتهم المهنية، وتحقيق أهدافهم الشخصية والتنظيمية.

ويتبادل العاملون تقديم الالتزامات المهنية؛ نظير الحصول على مختلف أنماط الدعم التنظيمي؛ حيث تؤدي التبادلات النفسية والتفاعلات المؤسسية الإيجابية إلى تشكيل علاقات عمل إيجابية، ومن ثم جني موارد نفسية إيجابية، بينما ينجم عن التبادلات النفسية السلبية تشكيل علاقات عمل سلبية، وجني موارد نفسية ضارة؛ كالحسد، والحقد، والضغينة، والصراع التنظيمي.

وتؤثر طبيعة العلاقات الإنسانية والاجتماعية في التبادلات النفسية الدائرة بين الموظفين؛ فكلما كانت العلاقة بين طرفي التبادل التنظيمي قائمة على التفاعلات الإنسانية التعددية بين الأقران أو زملاء العمل، كلما زادت التبادلات النفسية سواء إيجابية أو سلبية؛ بينما ينخفض مستوى هذه التبادلات مع من يتم التفاعل والتعامل معهم على فترات متباعدة، سواء لظروف سفر أو انتقال للعمل بأماكن أخرى؛ ما يمكن تفسيره في ضوء تباين مستوى المقارنات والمسافات الاجتماعية بين طرفي عملية التبادل الإنساني أو التنظيمي.

وعندما لا تراعي البيئة التنظيمية سيادة الاعتبارات والمعايير الأخلاقية التي ينبغي أن تحكم طبيعة العلاقات والتفاعلات الإنسانية بين الموظفين؛ يحدث انتهاكًا للعقد النفسي من قبل المنظمة غير الوفية بوعودها والتزاماتها؛ ما من شأنه خفض مستوى الثقة، والتمكين النفسي، والروح المعنوية للعاملين؛ حيث ترتبط تصوراتهم عن المنظمة بمعاني الظلم، والبيروقراطية، والخداع، وازدواجية المعايير، والتعسف، والإيذاء الشخصي، وتعطيل الحياة.

ومن ثم تدهور الكفاءة التنظيمية والفاعلية الوظيفية، وتدني مستوى الكفاءة الإنتاجية؛ فضلًا عن تدمير علاقات العمل التي يشوبها الطابع البيروقراطي الصلب المقاوم للتغيير، فتتفشي مشاعر الإحباط الوظيفي، والانسحاب النفسي من العمل، والسعي نحو الانتقام، وإلقاء اللوم، وتغليب المصلحة الذاتية على غايات العمل المؤسسية، وجميعها إفرازات للصراعات التنظيمية، والبيئة الإدارية الفاسدة، وغياب مؤشرات الفضيلة التنظيمية، وسلوك المواطنة المؤسسية.