النائب أحمد قورة يكتب: ماذا تريد إسرائيل من «أرض الصومال»؟
لم يكن الاعتراف الإسرائيلي بما يُعرف بإقليم «أرض الصومال» خطوة دبلوماسية عادية، ولا يمكن قراءته باعتباره إجراءً منفصلًا عن السياق الإقليمي والدولي شديد التعقيد الذي تمر به منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. فالقرار في جوهره يعكس رؤية إسرائيلية أوسع لإعادة تشكيل موازين النفوذ، واستغلال مناطق الهشاشة السياسية لفرض وقائع جديدة على الأرض، تحت غطاء الاعتراف المتبادل والتعاون الثنائي.
إسرائيل تدرك جيدًا أن «أرض الصومال» ليست مجرد إقليم انفصالي أعلن استقلاله من جانب واحد منذ أكثر من ثلاثين عامًا دون اعتراف دولي، لكنها منطقة شديدة الحساسية من الناحية الجيوسياسية. فالإقليم يطل مباشرة على خليج عدن، ويسيطر على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وشريان رئيسي لحركة التجارة الدولية، وقناة السويس المصرية،من هنا، يطرح السؤال نفسه بقوة ماذا تريد إسرائيل من هذا الاعتراف في هذا التوقيت تحديدًا؟
أولًا: تمركز أمني في البحر الأحمر
تسعى إسرائيل منذ سنوات إلى توسيع حضورها الأمني والاستخباراتي في البحر الأحمر، سواء بشكل مباشر أو عبر شراكات غير معلنة. الاعتراف بأرض الصومال يفتح الباب أمام وجود أمني قريب من اليمن، وعلى مسافة قصيرة من مناطق نفوذ الحوثيين، بما يتيح لإسرائيل مراقبة خطوط الملاحة، وجمع المعلومات، وامتلاك قدرة ضغط أو تدخل عند الضرورة. وهو ما يتجاوز بكثير فكرة العلاقات الدبلوماسية التقليدية.
ثانيًا: الضغط على العمق الاستراتيجي لمصر
قراءة الخريطة تكشف بوضوح أن الوجود الإسرائيلي في شمال البحر الأحمر عبر إيلات، بالتوازي مع تحركه جنوبًا عبر أرض الصومال، يخلق ما يشبه طوق ضغط على العمق الاستراتيجي لمصر، خاصة ما يتعلق بأمن البحر الأحمر وقناة السويس. هذا الواقع يفسر التحرك المصري السريع، والاتصالات الدبلوماسية العاجلة التي أجرتها القاهرة مع الصومال وتركيا وجيبوتي، واعتبارها الاعتراف الإسرائيلي سابقة خطيرة تمس الأمن القومي المصري وتهدد استقرار المنطقة بأكملها.
ثالثًا: تكريس نموذج تفكيك الدول
الاعتراف بكيان انفصالي داخل دولة ذات سيادة يمثل خرقًا واضحًا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، القائمين على احترام وحدة الأراضي وعدم جواز تقسيم الدول بالقوة أو بقرارات أحادية. الخطورة هنا لا تتعلق بالصومال وحده، بل بفتح الباب أمام تشجيع النزعات الانفصالية في مناطق أخرى، وتحويل التفكيك إلى أداة سياسية تُستخدم وفقًا لمصالح القوى الكبرى.
المفارقة الصارخة أن إسرائيل، التي ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتعرقل قيامها، لا تتردد في دعم كيان انفصالي آخر، في ازدواجية فاضحة في المعايير، تكشف عن أن المبدأ الوحيد الحاكم هو المصلحة، لا الشرعية الدولية.
رابعًا: مصالح اقتصادية مشروطة
حديث إسرائيل عن التعاون في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد يحمل في ظاهره طابعًا تنمويًا، لكنه في حقيقته يرتبط بخلق تبعية اقتصادية وسياسية، تضمن نفوذًا طويل الأمد في منطقة تعاني من ضعف المؤسسات وشح الموارد. إنها استثمارات مشروطة بالاصطفاف السياسي، لا شراكات حقيقية من أجل التنمية والاستقرار.
خامسًا: سيناريوهات مقلقة مرتبطة بغزة
لا يمكن فصل الاعتراف بأرض الصومال عن التقارير التي تحدثت عن محاولات طرح فكرة توطين فلسطينيين من قطاع غزة في دول إفريقية، من بينها الصومال وأرض الصومال. ورغم نفي بعض الأطراف علمها بهذه الطروحات، فإن مجرد تداولها يعكس عقلية تبحث عن تصفية القضية الفلسطينية عبر حلول جغرافية بديلة، على حساب أمن واستقرار دول أخرى.
في مواجهة هذه الخطوة، جاء الرفض العربي والإقليمي والدولي واضحًا وصريحًا. مصر، والسعودية، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وتركيا، والاتحاد الإفريقي، جميعهم أكدوا التمسك بوحدة وسيادة الصومال، ورفض أي إجراءات أحادية تمس سلامة أراضيه أو تهدد استقرار المنطقة.
الخلاصة أن إسرائيل لا تتحرك بدافع دعم الاستقرار أو احترام الواقع، بل تسعى إلى توسيع نفوذها، وتعزيز حضورها الأمني، والضغط على العمق الاستراتيجي لدول محورية في الإقليم، وفي مقدمتها مصر. الاعتراف بأرض الصومال ليس نهاية المشهد، بل بداية مرحلة جديدة من الصراع الخفي على البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وهو ما يتطلب يقظة سياسية، وتحركًا عربيًا وإفريقيًا منسقًا، قبل أن تتحول السوابق الخطيرة إلى أمر واقع يصعب تغييره.
























