الكاتب الصحفى طه خليفة يكتب : عبقرية عبد الحليم حافظ

لا أزال أتذكر صباح هذا اليوم منذ 48 عاماً، كنت في الصف الخامس الابتدائي،30 مارس 1977، كنت أتناول إفطاري مع والدي، رحمه الله، وجهاز الراديو في بيتنا مفتوح على إذاعة الشرق الأوسط، وفي موجز الأخبار كان نبأ وفاة عبدالحليم حافظ.
لم يكن التلفزيون منتشر في بلدنا. كانت الكهرباء حديثة عهد، ولم يتم توصيلها لمعظم البيوت (شبكة الكهرباء تم تنفيذها عام 1975 رغم أننا قريبين من القاهرة، ولسنا في عمق الدلتا، أو الصعيد، المعاناة للشعب المصري قديمة وموروثة).
كان حليم محبوباً ومسموعاً عندنا، وأم كلثوم كان لها مكانة خاصة،ذهبت للمدرسة متأثراً بوفاة المطرب الذي لايتكرر، وكان لافتاً أنه في الليلة التي كان التلفزيون يذيع فيلم (الخطايا) نتجهز لمشاهدة جماعية من أهل الشارع والشوارع المجاورة في بيت يمتلك التلفزيون، وندفع قرشاً مقابل المشاهدة، أو تعريفة لمن لايمتلك القرش بشرط أن يجلس في الخلف.
في هذا الفيلم كنا نتعاطف جداً مع حليم، ونتأثر بشدة مع صفعة عماد حمدي الشهيرة له،ومن المفارقات أن هذا كان شعور عام لدى المصريين تجاه حليم، وقد تضرر عماد حمدي كثيراً من هذه الصفعة رغم أنها تمثيل، وكرهه الناس كثيراً.
عبدالحليم كان مجتهداً جداً في إعداد نفسه وأغانيه وحفلاته، كان يجري عشرات البروفات قبل أن يبدأ الحفل وكان يدقق بنفسه في كل صغيرة وكبيرة،كان مطرباً عبقرياً يمتلك إحساساً لم يتوفر لكثيرين من المطربين الجيدين،كان مخلصاً لفنه لهذا حقق نجاحات منقطعة النظير وإنتاجه سيظل باقياً،نسمعه كل ساعة وكل يوم فلا نمل ولا نشبع، لم يملأ أحد مكانه بعد رحيله، ولن يحدث
تماماً مثل أم كلثوم وعبدالوهاب.
هؤلاء وغيرهم من أيقونات الطرب هم مدارس في الفن الحقيقي، وكل واحد منهم هو نفسه فقط فلا نظير أو بديل أو ند له.
ضحكت ساخراً من حوار قديم مع الملحن عبدالعظيم عبدالحق كانت تجريه معه المذيعة فريال صالح، وكانت في شبابها، وهو يقول إن عبدالحليم (مؤدي)، ويقلل من شأن بليغ حمدي.
تقريباً أول مرة استمع فيها لمثل هذا الرأي الشاذ جداً، ومن أسف أن يقوله ملحن،وكان الرد عليه من ألوف التعليقات التي تستهجن ما قاله.
بغض النظرعن وطنيات عبدالحليم خلال الخمسينات والستينات، لكن عبدالحليم العاطفي هو الأيقونة الفنية الثمينة،كلما استمعت إلى المقدمة الموسيقية وحدها في (حاول تفتكرني) و (زي الهوا) أقول إن هذه المقدمات هى في حد ذاتها دون الأغنية نفسها موسيقى خالدة، وهى تكفي لتأكيد عظمة الإنتاج الفني لـ حليم وكتاب أغانيه وملحنيه وأعضاء فرقته الموسيقية.
عبدالحليم واحد ممن جسدوا صورة مصر العفية القوية المبدعة،هو قوة ناعمها في زمنه، ورغم رحيله فلايزال قوة ناعمة لايعادلها كل إنتاجات (المتحدة). رحمه الله .. لن ننساك يا حليم.
كاتب المقال الكاتب الصحفى طه خليفة مدير تحرير جريدة الاحرار ومستشار التحرير لموقع بوابة الدولة الاخبارية