الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : البرلمان ليس منبرًا للفوضى.. وعلى مجلس الشيوخ أن يتحرك!

في سابقة برلمانية خطيرة، خرج أحد أعضاء مجلس الشيوخ ( خ - ق ) ببيان عبثي برفض قانون الايجارات القديم موجه لما أسماه "الضمير الحي"، لكنه في جوهره لا يوجّه إلا طعنة غادرة في صدر دولة القانون، وضربة موجعة لهيبة القضاء، وخرق فاضح لكل التقاليد البرلمانية الراسخة.
ما قرأناه ليس بيانًا برلمانيًا، ولا رأيًا دستوريًا محترمًا، بل هو تحريض صريح على الفوضى، ورفض واضح لأحكام المحكمة الدستورية العليا، المؤسسة التي تمثل قمة الهرم القضائي في مصر، والحارس الأمين على الدستور وكرامة الدولة.
هذا البيان لم يكن مجرد تعبير عن رأي، بل كان تحريضًا صريحًا على العصيان المدني المقنّع، ودعوة سافرة لعدم تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا، التي تُعد أعلى سلطة قضائية في البلاد، وأحكامها ملزمة لجميع سلطات الدولة بنص الدستور.
لقد تخطى هذا النائب حدود اللياقة السياسية، بل تجاوز كل خطوط المسؤولية، حين طالب زملاءه النواب بعدم الالتزام بأحكام المحكمة الدستورية بشأن قوانين الإيجار القديم، وكأننا في غابة لا يحكمها قانون، أو أمام حشد شعبي لا برلمان تشريعي.
أيها السادة، حين يصل بنا الأمر إلى أن يخرج نائب في مجلس الشيوخ، ويطالب زملاءه ـ صراحة أو تلميحًا ـ بعدم الانصياع لأحكام قضائية باتة وملزمة، فنحن لا نتحدث عن رأي معارض، بل عن دعوة فجة للعصيان المدني باسم "الرحمة"، وعن خرقٍ سافر للدستور باسم "العدل".
هل أصبح الاحتماء بالفقراء جواز مرور لتجاوز القانون؟ هل ننسى أن من أقر بطلان عقود الإيجار القديم في غير السكني، هي المحكمة الدستورية العليا، لا لجان شعبية ولا مستثمرين؟ وهل نُسقط مؤسسات الدولة الدستورية من أجل دغدغة مشاعر شعبية بكلمات منمقة تخفي خلفها نزعة تمرد خطيرة؟
من يتحدث عن العدالة، عليه أولاً أن يحترم أحكام القضاء، ومن يدّعي الغيرة على الوطن، عليه ألا يزرع فيه بذور الفوضى ولا يوجّه الرأي العام ضد مؤسسات الدولة.
إن الدولة المصرية قوية بمؤسساتها، عزيزة بقضائها، مستقرة بتشريعاتها، ولن تُؤخذ رهينة أمام عبارات إنشائية تتخفى خلف عناوين "الكرامة" و"الرحمة"، وهي في حقيقتها دعوة سافرة لإهانة القانون.
السادة النواب المحترمون:
مهمتكم ليست استجداء عواطف، بل صناعة تشريعات تنبع من الدستور، لا من ضغوط شعبوية أو مواقف استعراضية، لا تعطوا غطاءً سياسيًا للخروج على القانون، ولا تشاركوا في كتابة بيان يُدينكم أمام التاريخ كمن ساهموا في تمزيق هيبة الدولة.
لسنا ضد البسطاء، بل ضد من يستخدمهم دروعًا بشرية في معركة وهمية، لسنا ضد الحوار، بل ضد تسييسه وتحويله إلى منصة للطعن في أحكام القضاء، فلتسقط كل دعوة تمرد.. ولتحيا دولة القانون.
وعليه، فإننا نطالب مجلس الشيوخ الموقر، رئيسًا وأعضاءً، باتخاذ موقف عاجل وحاسم تجاه هذا التجاوز الخطير، السكوت على هذا الخروج لا يعني إلا شراكة ضمنية في هدم هيبة الدولة وشرعنة الفوضى تحت قبة البرلمان.
ينبغي على المجلس أن يُعلن بوضوح أن لا أحد فوق الدستور، وأن حرية الرأي تحت القبة لا تعني التحريض على خرق القانون، ولا الطعن في أحكام قضائية واجبة النفاذ.
إن تقاليد العمل البرلماني العريق لا تسمح بتحويل القاعة إلى منبر للشعبوية أو العنتريات الزائفة، ولا تقبل أن يُستخدم اسم الفقراء وقودًا لتمرير مواقف شخصية لا تمُت للعدالة بصلة، بل تسعى لتأجيج الشارع وتضليل الرأي العام.
السيد النائب الذي كتب هذا البيان مطالب بالاعتذار لا فقط عن تجاوزه، بل عن محاولته زعزعة ثقة المواطن في أسمى مؤسسات الدولة.
أما مجلس الشيوخ، فعليه أن يُفعّل لائحة العقوبات البرلمانية، ويرسل رسالة حاسمة مفادها: "البرلمان ليس فوق الدولة.. والدستور ليس محل تفاوض،من يُهين القضاء يهين الوطن، ومن يُشعل الفوضى تحت ستار العدالة لا يستحق أن يتحدث باسم الشعب.