النائب أحمد قورة يكتب :من لاهاي إلى القاهرة.. مصر تصرخ وحدها من أجل غزة!”

في مشهد يفضح نفاق النظام الدولي، تواصل إسرائيل حرب الإبادة في قطاع غزة، بينما تتحرك بعض الدول بشرف وتقدير للمسؤولية الأخلاقية. ها هي البرازيل تنضم إلى الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، لتنضم إلى دول مثل بوليفيا وكولومبيا وإسبانيا والمكسيك وليبيا، في محاولة قانونية لكبح جماح العدوان الإسرائيلي.
لكن، وبكل وضوح، محكمة العدل الدولية ليست أكثر من صوت خافت في زحام الصمت العالمي. قراراتها الصادرة في يناير ومارس ومايو 2024 طالبت إسرائيل بمنع الإبادة وتوفير المساعدات، لكن شيئًا لم يتغير. القصف مستمر، الجوع يتفاقم، والتهجير يتسرب من بين ثنايا "الممرات الإنسانية".
ورغم ذلك، تستمر البيانات الدولية في التكرار الممل: "نشعر بالقلق"، "ندعو إلى التهدئة"، "نراقب الأوضاع عن كثب"... كلمات باردة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، تُقال على وقع صراخ الأطفال تحت الركام.
أما الدول الأوروبية، تلك التي طالما ادعت الدفاع عن القيم الإنسانية والحقوق والعدالة، فإن صمتها اليوم مُريب ومُهين. لم نرَ مواقف حاسمة، ولا ضغوطًا حقيقية، ولا حتى غضبًا دبلوماسيًا يليق بحجم المجازر المرتكبة. وكأنّ كل ما يحدث في غزة لا يعنيها، رغم أنها من كبريات دول العالم، وتملك من الأدوات والنفوذ ما يمكن أن يُحدث فارقًا. لكنها التزمت الصمت... وسكتت، وكما يقول المثل الشعبي: "السكوت علامة الرضا".
أما واشنطن، فحدّث ولا حرج. دونالد ترامب، زعيم العصابة الدولية، أوقف حربًا بين إسرائيل وإيران خلال 12 يومًا، لكنه لم يرفع سماعة هاتف لوقف حرب إبادة حقيقية ضد شعب أعزل. إنه الضوء الأخضر المعلن للقتل، والرضا الكامل عن استخدام التجويع كسلاح، كما وصفه بيان الخارجية البرازيلية.
وسط هذا المشهد المظلم، تقف مصر وحدها، شامخة وصلبة. مصر التي لم تتخل عن مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، بل تحولت إلى صمام الأمان الأخير لغزة. مصر التي لا تساوم، ولا تهادن، ولا تبيع القضايا المقدسة في المزادات السياسية.
في الساعات الماضية، دخلت 166 شاحنة مساعدات إنسانية إلى غزة عبر معبري كرم أبو سالم وزكيم، واستعدت مصر لإدخال 180 شاحنة أخرى، منها 137 شاحنة دقيق. هذه ليست أرقامًا، بل شرايين حياة لأطفال ونساء وشيوخ يموتون كل لحظة.
الهلال الأحمر المصري يرفع درجة الاستعداد القصوى، ويتحرك ميدانيًا بالتنسيق مع كل الجهات المعنية، في تجسيد حقيقي للدور الإنساني العميق الذي تقوم به مصر، بعيدًا عن الشعارات الفارغة.
على المستوى السياسي، لم تتوقف التحركات المصرية، سواء لتأمين المساعدات أو لفرض التهدئة. مصر تدرك أن القضية الفلسطينية ليست ملفًا موسميًا، بل قضية أمن قومي، ومبدأ لا يسقط بالتقادم.
مصر تؤكد دائمًا دعمها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. موقف لا يتغير، ولا ينحني، بل يزداد ثباتًا مع كل قطرة دم فلسطينية تسقط.
في النهاية، قد تُخيف الأصوات العالية العالم، لكن صوت مصر الهادئ الواثق هو الذي سيبقى. فالتاريخ لا يخلد البيانات، بل يسجل المواقف. وموقف مصر اليوم، هو عنوان الشرف الوحيد في زمن سقطت فيه كثير من الأقنعة.