الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : ماكينات بنك مصر.. مومياء إلكترونية تبتلع الفيزات

ذات يوم وقف طلعت حرب باشا، مؤسس بنك مصر، رافعًا شعار الاستقلال المالي والنهضة الاقتصادية. أما اليوم، وبعد أكثر من قرن، يبدو أن الماكينات التي تحمل اسم هذا البنك العظيم أصبحت تشبه المومياوات، تكتفي بالوجود فقط... دون حركة، دون حياة، ودون مال ،ماكينة تلو الأخرى تردد العبارة الشهيرة، نأسف، لا توجد بها نقود، أو العبارة الأكثر شهرة عطلانة، خربانة،راجع أقرب فرع والله يعينك.
نحن لا نبالغ. فقط توجه لمحطة مترو "عمر بن الخطاب" وحاول سحب 100 جنيه من ماكينة بنك مصر رقم 01810096، وستكتشف بنفسك كيف تتحول الماكينة من جهاز مالي إلى نصب تذكاري للإحباط ومصيدة لإبتلاع الفيز، وفى فرع الدواويين بميدان لاظوغلى فحدث ولا حرج وغيرها من الفروع!
أما عن استخراج الفيزا؟ فحدث ولا حرج!
إذا كنت تحلم بالحصول على بطاقة "فيزا" جديدة من بنك مصر، جهّز نفسك لصبر أيوب، وانتظر أسبوعين... أو أكثر، نعم، بطاقة بلاستيكية تستغرق في استخراجها ما تستغرقه اليابان في إنتاج سيارة!
بينما على الجهة الأخرى – وفي مفارقة عبثية – يمكنك إصدار شهادة ميلاد، رخصة قيادة، أو توكيل رسمي من الشهر العقاري أو بطاقة شخصية وجواز سفر في دقائق.. لكن لا تسأل عن الفيزا من بنك مصر، فكل شيء هنا يسير ببطء أبطأ من السلحفاة التي قررت أخذ قيلولة!
ترقيات الموظفين؟
تبدو كأنها جائزة "اليانصيب"، حيث يتم ترقية البعض لمجرد البقاء، لا للإنتاج، أما خدمة العملاء؟ فهي عبارة عن موسيقى تصويرية مكررة ،انتظر قليلًا... جاري تحويلك لموظف خدمة العملاء، والنتيجة؟ نفس سرعة الماكينات التي تنظر لك بنظرة فرعونية، ثم تبلع الفيزا بصمت.
أيها السادة في مجلس إدارة بنك مصر
أيها القابعون في مكاتبكم ذات الرائحة الزكية والمكيفات المنعشة، هل زرتم يومًا ماكينة من ماكيناتكم في الشارع؟ هل وقف أحدكم طابورًا تحت الشمس ليحاول سحب 200 جنيه دون أن يُصاب بنكسة أعصابية؟ هل جربتم شعور أن تضعوا بطاقتكم في جوف الماكينة ثم تنتظروا خروجها كما ننتظر نتائج الثانوية العامة؟
الماكينة التي لا تعمل، هي ليست مجرد عطل تقني، بل عنوان صارخ على فشل إدارة تتجاهل الشكاوى، وتعجز عن الرؤية إلا من خلف الزجاج العاكس والنسب المالية في تقارير "الإكسل".
إلى السادة:
عصام الدين محمد عبد المنعم الوكيل – رئيس مجلس الإدارة (غير تنفيذي) -الاستاذ هشام أحمد عكاشة – الرئيس التنفيذي - حسام عبد الوهاب – نائب الرئيس التنفيذي - أحمد عيسى – نائب الرئيس التنفيذي،وبقية السادة المحترمين من "الغير تنفيذيين" الذين لا نعلم أين التنفيذ في إدارتهم...هل تقبلون أن يتحول بنك مصر – رمز السيادة المالية الوطنية – إلى ماكينة معطلة في محطة مترو؟ هل يعقل أن تكون "الفيزا" التي تُروجون لها عبر الإعلانات، مجرد بطاقة بلا قيمة أمام ماكينة لا تفتح فمها إلا لابتلاعها؟
أفيقوا يا سادة.
انزلوا الشارع- راقبوا الغضب في عيون العملاء، وتذكروا: "طلعت حرب ليس تمثالًا، بل فكرة... والفكرة تبكي حين تُهان، طلعت حرب بيبكي، بيبكي من وجع الأيام اللي قلبت الحلم كابوس، بيبكي بنك كان حصن للكرامة، وبقى الان باب من أبواب العذاب، الناس واقفة بالساعات، لا ماكينة شغالة، ولا موظف فاضي، والفيزا اللي قالوا عنها راحة، بقت مصيدة، تبلعها الماكينات .
واحد واقف عايز يصرف مرتبه، والتاني عنده دواء محتاج يشتريه، والتالت مستني يبعَت فلوس لولاده، والماكينات كلها صايمة، ولا كلمة، ولا تفسير، ولما تبلع البطاقة، يقولك،ارجع كمان 15 يوم، وكأن الناس عايشة في رفاهية، ولا عندها همّ ولا وجع.
طلعت حرب بيبكي، لأنه شايف الناس بتنهار قدام الفروع، شايف العجز في عيونهم، شايف القهر في صوتهم، شايف الكرامة وهي بتتسحب من واحد وراء التاني. الرقمنة اللي كانوا بيحكوا عنها بقت تعذيب، بقت حوارات في الهوا، مفيش رحمة، مفيش إنسانية، بس شاشات بتطفي، وكروت بتتبلع، وموظفين بيقولوا: "معلش".
هو ده بنك مصر؟ هو ده الحلم اللي اتبنى عشان المواطن؟ هو ده اللي كان المفروض يبقى في ضهر الناس؟ طلعت حرب بيرجع لقبره بحسرة، مش من موت الجسد، لكن من موت الفكرة... من موت الضمير.